مشروع محكي اليمن.. صوتُ التاريخ والحضارة اليمنية في لغة المعمار
أبي وامي زرعا في خب الهندسة المعمارية وشجعاني على التعليم
منصة انسان –
لقصص النجاح روادها ، ولشغف المهنة محترفيها ، وحين تملك هدفا في الحياة ، فإن تحقيقه سيكون سهل المنال بالاصرار والجد والاجتهاد ، منصة انسان التقت الشابة المبدعة المهندسة المعمارية هلا عبد الحميد لطف الشلفي التي شاركت بجناح للهندسة المعمارية بمعرض البناء والانشاءات بصنعاء ، تصاميما الهندسية المعمارية المستوحاة من الحضارة والتاريخ خطفت انظار زوار المعرض ، واثارت الاعجاب ، وهنا تروي قصتها .
تقول هلا في بقعةٍ من أرض اليمن، حيث يمتزج الحلم بصبر الجبال، ويشتد العزم كما تشد الرياح أوتاد الخيام، وُلدت فتاةٌ كان لها أن تحفر اسمها بين النجوم. هلا الشلفي، ابنة منطقة شلف بمديرية العدين محافظة إب، تلك المدينة التي تتنفس عبق التاريخ وتزهر خضرة وجمال ، نشأت في منزلٍ كان للعلم فيه قداسة، وللإصرار فيه جذورٌ لا تُقتلع. والدان جعلا من المعرفة سلاحًا ومن التعليم جسرًا نحو الغد، فكبرت هلا في كنفهما وهي تحمل في قلبها يقينًا واحدًا: أن الأحلام لا تُهدى، بل تُنتزع من قلب المستحيل.
http://المهندسة هلا الشلفي.. قصة نجاح تحكي فن الهندسة المعمارية وابداع التصميم
بذور الحلم الأولى
كانت هلا في العاشرة من عمرها حينما لامست روحها أول نسائم العشق للهندسة، يومها لم تكن تفهم المعادلات المعمارية ولا رموز التصاميم، لكنها شعرت أن في المباني حياة، وأنها ليست مجرد حجارة صامتة، بل كائنات تحكي قصصها عبر الزوايا والأعمدة والنوافذ. كانت والدتها أول من رأى في عينيها تلك الشرارة، فزرعت فيها حب الهندسة كما تُزرع الأماني في أرض خصبة، وما لبث الحلم أن نما مع الأيام، حتى صار وعدًا لا يمكن التراجع عنه.
الطريق إلى المجد
التحقت هلا بكلية الهندسة المعمارية في جامعة إب، ولم يكن طريقها مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالعقبات التي تختبر صلابة الحلم. وسط واقعٍ منهكٍ وبلدٍ يئن تحت ثقل الأزمات، شقت طريقها، لم ترضَ أن تكون مجرد رقمٍ في قائمة الخريجين، بل أبت إلا أن تترك أثرًا، أن تنحت بصمتها في صخر الزمان.
مشروع محكي اليمن.. صوتُ التاريخ في لغة المعمار
لم يكن مشروع “محكي اليمن التاريخي” مجرد تصميمٍ معماري، بل كان رسالةً مشبعة بالهوية، نافذةً تُطل منها الأجيال القادمة على ماضٍ مجيدٍ يستحق أن يُروى. عندما شاركت هلا بهذا المشروع في معرض البناء والإنشاءات، لم تكن تعرض مجرد مجسمات هندسية، بل كانت تضع بين يدي الحاضرين ذاكرة وطن، روح مدائنٍ ناطقة، وحكايا أزقةٍ ترويها الحجارة.
لم تكن عيون الحاضرين ترى مشروعًا هندسيًا فحسب، بل كانت تقرأ في تفاصيله عزفًا بصريًا على أوتار الأصالة، كانت تشاهد فيه حضارة سبأ و صنعاء القديمة، وشبام حضرموت، وبيوت إب المتكئة على خاصرة الجبال، وحضارة كانت تقرأ في كل خطٍ بصمتها، في كل انحناءةٍ توقيعها، في كل تفصيلةٍ صوتًا يقول: “هنا يقف اليمن شامخًا”. فمحكى اليمن التاريخي ليس مجرد مشروع معماري، بل هو ملحمة فنية تتغنى بعبق العصور وتروي حكاية وطنٍ مسحور بالأزمان. في هذه المحكاة العظيمة، تتراقص أنغام التاريخ وتتمازج ألوان الحضارات، حيث يبدأ السرد من رُبَانِ العصر الحجري، حين خطت خطوات الإنسان الأولى على تراب اليمن، مروراً بعصور سبأ وحمير اللتين تركتا بصماتهما الخالدة في نسيج الوجود، وصولاً إلى اليمن المتوسطة التي حملت بين طياتها قصص البطولة والإبداع، وتوّجت بحضور اليمن المعاصر الذي يشرق بأملٍ متجدد. هنا، لا تكون الجدران مجرد هيكلٍ من الأحجار، بل هي رواة للأسرار ومرآة تعكس ضياء ماضٍ لا يُنسى. ففي هذا الفضاء الأسطوري، يعيش الزائر تجربة حسية تتجاوز حدود الزمان والمكان، فيتناغم قلبه مع نبض الحضارات المتعاقبة، ويتلمس بين تفاصيلها روح الأجداد وعزيمة المستقبل. إنها رحلة شاعرية، تسبر أغوار التاريخ بكل فخرٍ وعذوبة، لتكون شهادةً على عظمة اليمن وروعة إرثه الذي يستمر في إلهام الأجيال.
انتصار الحلم
حين وقف النقاد والمختصون أمام مشروعها، لم يتحدثوا عن التصميم فقط، بل تحدثوا عن الروح التي تدبُّ فيه، عن الأمانة التي حملتها في نقل إرث وطنها، عن الأصابع الصغيرة التي كبرت وهي ترسم الأحلام، حتى أمسكت بريشة المعمار وصاغت بها لوحةً من مجد.
اليوم، لا تُعد هلا مجرد مهندسة معمارية، بل قصةً تُروى، شعلةً توقد الأمل في قلوب الفتيات اللاتي يحدقن في الأفق ويحلمن بالمستقبل، درسًا في أن الصعاب مهما تكالبت، لن تكون أقوى من إرادة تؤمن بأن المستحيل كلمةٌ لا تليق بمن يحمل الحلم سلاحًا والإصرار درعًا.
هلا الشلفي.. اسمٌ يُكتب في سجل المجد، ابنة اليمن التي رأت في التاريخ معلمًا، وفي العمارة رسالة، وفي الحلم حياة.