البروفيسور قاسم المحبشي
حينما زرت دبي للمرة الأول عام ٢٠١٥ مع نخبة من الأكاديميين والباحثين اليمنيين للمشاركة في ندوة اليمن إلى أين ؟ الذي نضمها مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية في الامارات للمدة ١٨ – ١٩ مارس ٢٠٢٠م في فندق موفنبيك بالبحيرات دبي جأني من أبو ظبي بصحبة المستشار أمين اليافعي واصرا على اصحابنا في جولة سياحية في ربوع الإمارات الساحرة. كنا أربعة مشاركين في الندوة أنا وسمير الشميري وهدى الحريري وفتحي بن لزرق. في اليوم الثاني للندوة آخذنا شيخ ابو نادر إلى الشارقة وحزمنا على وجبة غداء عامرة في مطعم وديان اليمن الخضراء بالشارقة. أخبرني أن ذلك المطعم هو ثمرة كفاحه منذ دخوله الإمارات عام ١٩٩٤م بعد نزوحه من عدن مع البيض وجماعته إذ كان يعمل مهندسا بحريا. دخل الإمارات وهو لا يملك في جيبه غير بطاقة وظيفته. وهناك في دبي أعاد التفكير في حياته من جديد بعد خراب دولته وضياع مؤسساتها العامة فلا أمل بالعودة ولا جدوى من البقاء في مخيم النازحين وانتظار فتات المعونات الأممية التي كان كبار القادة يلتهمونها قبل أن تصل اليهم. حكي لي تلك الحكاية بتفاصيلها الدراماتيكية. اضطر إلى العودة في عدن مع جموع العائدين الذين لاحول لهم ولا قوة. عاد يبحث عن سفينته في ميناء التواهي ولم يجد لها أثر بعد أن تم تدمير ونهب كل شيء في عدن بعد الاجتياح التكفيري الغاشم. وجد نفسه في وضع السؤال أما أن تكون أو لا تكون! وهو العائل الوحيدة لأسرته بعد وفاة والده الذي افنى حياته في المهجر وعاد مريضا حتى توفاه الأجل رحمة الله عليه. ضاقت الخيارات بالشاب اليتيم كما يحب أن يصف نفسه مداعبا وهو حقا كذلك. لم يجد لديه أحد يسنده في محنته لا دولة ولا حكومة والا حزب ولا طائفة ولا عشيرة ولا قبيلة ولا ورث. لم يكن أمامه إلا طريق البحر الذي سلكها هاربا من جحيم الحرب والاجتياح مع البيض وجماعته. تدبر أمر العودة إلى الإمارات بطريقة بالغة الصعوبة حتى وصل دبي بعزم وأمل جديد وهناك اضطر للعمل حارسا لشركة مقاولات في بداية الأمر وكان اثناء الحراسة يتعلم سواقة البوكلينات الكبيرة فاتقنها وصار سائقا يعتمد عليه. امضى سنوات في تلك الوظيفة الشاقة واثناءها فكر في أستأجر شقة للسكن مع زملاءه. استأجرها باسمه وأجر غرفها على زملاءه باسعار زهيدة ولكنها مربحة بالنسبة له. وكان كلما جمع بعض المال أستأجر بها شقة جديد. دارت العجلة معه وانتقل للعمل في مصنع الحديد والصلب الحكومي من موظف بسيط إلى مدير العمال إلى مهندس يعتمد عليه. كان لا يترك أي فرصة الا ويتعلم منها. راقب المهندسين الطليان والالمان في المصنع ليلا نهار حتى فهم سر المهنة وصار خبيرا في ذات المصنع لمدة عشر سنوات. جرت النقود في يده وفكر بتوظيفها بشكل افضل فقرر الاستثمار في مجال المطاعم والعقارات.
فتح اول مطعم وديان اليمن في الشارقة ثم في أبو ظبي. طبعا في المرة الأولى لم يكشف لي أبو نادر عن نشاطه الاستثماري في الدولة التي احبها حبا جما خوفا من العين والحسد! ولانه يعرف بأن عيني عليه باردة. جأني هذه المرة إلى الفجيرة بسيارته الاندكوزر وأخبرني أنه صار بريطانيا وحصل على الإقامة الذهبية في الإمارات الحانية. ومن الفجيرة الجميلة حيث عقدنا مؤتمرنا الأول لبيت الفلسفة في ١٨ -١٩ نوفمبر ٢٠٢١ اصطحبني في جولة سياحية رائعة عبر المنتجعات السياحية بين الجبال والوديان. انطلقنا في صباح ثاني يوم لانتهاء المؤتمر باتجاه بحيرة خور مكان ومنتج السحب وسد الحوصلة؛ مناظر جميلة شاهدتها اثناء الرحلة إلى الشارقة؛ إنفاق متقنة الصنع وواحات خضراء تحيطها بين الجبال والصحراء. وفي الشارقة تناولنا وجبة الغداء في مطعم وديان اليمن ثم تحركنا إلى أبوظبي عبر دبي المثيرة للدهشة. وهناك في أبو ظبي استقر بنا المقام. على مدى اربعة أيام من التجوال اطلعني أبو نادر عن استثماراته الناجحة؛ زرنا مكتبه في شركة الاوبراء للعقارات. مكتب يديه طاقم من الموظفين المتخصصين. وهكذا صار مهندس السفن البحرية مهندسا للتنمية والاستثمار الجدير بالقيمة والاعتبار.اكسبته سنوات طويلة من الخبرة والممارسة قدرة فائقة على ادارة المشاريع الاستثمارية بنجاح. قال لي لو الأمر بيدي لجعلت من عدن مدينة قابلة للعيش والحلم والأمل ولكن من يقنع المطبلين والمتعيشيين أن المدن تحتاج إلى ادارة رشيدة ومشروعات تنموية أمنة يمكنها الاستمرار والدوام. شيخ ابو نادر يعمل كل ذلك وهو يبتسم بسخرية من الاغبياء اذ هو بطبيعة ساخر من كل شيء ولكنه يخفي في ذاته روح حازمة وحكمة مدربة في الادارة والإنجاز. انه قصة نجاح الكفاح المتشبث بالحياة وقناص فرصها في أحلك الظروف والأحوال. هناك في ابو ظبي وجدت بعض الاقارب والاصدقاء ومنهم الصهير المحترم الشيخ ناصر بن علي العوادي واخوانه الذين احاطوني برعايتهم الكريمة والمستشار أمين اليافعي كبير المستشارين في برج العتيبة.سكنت في جناح من بيت أبو نادر العامر الذي اسعدني نجاحه الجدير بالقيمة والأهمية والاعتبار. واثناء الأقامة طاف بي في مدينة زايد التراثية وبرج الامارات وزرنا العين حيث المنتجع الجبلي الجميل وسبحنا في المياة الساخرة وتعيشنا في مطعم الشوكة الذهبية ,واشياء جميلة أخرى منها افتتاح الشاب نادر الخلوق لكافتيريا الكوفي شوب السياحية في المدينة الصناعية وهذا الشبل من ذاك الأسد!
- من حائط الكاتب على الفيسبوك